كلنا يعلم تفاصيل أحداث قفصة
1980 والكثير من أبناء الجنوب وخاصة مدينة قفصة لا يزال متعلق بتلك الاحداث
ويستغرب من فشل تلك العملية وبالتحديد الاستغراب من ردة فعل سكان مدينة قفصة التي
اشتهرت تاريخيا بالثورات ومقاومة المستعمر وتحدي الأنظمة الظالمة والمستبدة ومدى
عدائها للاستعمار الفرنسي حيث حارب ثوار قفصة المستعمر الفرنسي قبل دخوله الى تونس
وكانوا اول المدافعين على استقلال تونس عن طريق مد يد العون الى الجزائر عبر جبال
قفصة الممتدة الى الجزائر وبهذا كان سكان
قفصة اول من واجه المستعمر ولبثوا على ذلك حتى خرج الفرنسيون من تونس ثم بعد ذلك
يستأثر أبناء الشمال بالمناصب المهمة في الحكومة من دون أبناء الجنوب هذا بعد
الاستقلال. ففي ذلك الزمن اتضحت الرؤية لكل التونسيين بأن الرئيس الحبيب بورقيبة ليس كما ظنوه معارضا للاستعمار مدافعا عن الوطن، حيث اكتشفوا انه عميل لفرنسا خاصة
عندما قامت الأخيرة بتصفية كل معارضيه ومنهم فرحات حشاد وعرف الناس مدى تعطش
بورقيبة للسلطة وكيف استغلها لمصالحه الشخصية واشباع غرور السلطة لديه وممارسة
التمييز العنصري لصالح سكان الشمال وخاصة الساحل التونسي وبالتحديد مسقط رأسه
مدينة المنستير التي كانت قبل توليه السلطة ريف لا علاقة له بالتمدن مقارنة بمدينة
قفصة وقتها.
سنبدأ بسرد أحداث قفصة 1980 وبإيجاز حتى نتمكن بعد ذلك من
تحليل أسباب فشل هذه العملية والأسباب التي جعل هذه المجموعة تتخذ القرار بالإطاحة
بنظام بورقيبة وقتها؟ وهل تكرار هذه
العملية ممكن في زمننا هذا وخاصة مع اتساع الهوَة بين الشمال والجنوب التونسي؟ وهل
نفس الطريقة ممكنة أم ان تغيَرات العصر ستفرض وسائل وأساليب أخرى وخاصة حيث نرى
العديد من الحركات المطالبة بالانفصال في دول العالم المتخلف منها والمتقدم مثل
بريطانيا واسبانيا حيث حل الاستفتاء الشعبي محل المقاومة المسلحة.
حيث قيل في بعض المقالات:
حدثت عملية قفصة في الليلة الفاصلة بين 26 و27 جانفي من سنة 1980 حيث تولى
عدد من المسلحين قدّر عددهم بحوالي 60 مسلحا ينتمون جميعهم الى فصائل المعارضة
التونسية ذات التوجهات القومية وآخرون ينتمون الى التيار اليوسفي في تونس الى
الاستيلاء على المدينة قبل ان يوجهوا دعوتهم للأهالي للانضمام الى الثورة المسلحة
والإطاحة بالنظام البورقيبي بعد ان جمعتهم الرغبة في تغيير الاوضاع في تونس بعد
القمع الذي تعرضت له الحركة النقابية عام 1978.
وردت السلطة انذاك التي استنجدت بفرنسا بعنف كبير وتمكنت من السيطرة على
المجموعة واعتقال معظم عناصرها الذين احيلوا على المحاكمة وتم الحكم حضوريا بإعدام
11 منهم ونفذ فيهم الحكم فجر 17 أفريل اي بعد العملية بـ 80 يوما فقط.
وعن أهداف هذه العملية بتحديد أدق قال وزير الداخلية 6.75كشريد: لقد كان الهدف
من هذه العملية إحداث اضطرابات في البلاد وتضمنت الخطة أن يقوم المرتزقة، بعد
إحكام سيطرتهم على قفصة واحتلال مراكز السلطة بالمدينة، إعلان حكومة وطلب تدخل ليبيا،
التي كما ذكرت، أعدت طائرات ومعدات خصيصاً لهذا الغرض، وكانت تنتظر إشارة بنجاح
المرحلة الأولى للتدخل، وقد اعترف المرتزقة خلال استجوابهم بهذه المعلومات وبأشياء
أخرى سنعلن عنها في الوقت المناسب.
مساعدات فرنسية ومغربية
وقال 6.75 فؤاد
المبزع وزير الإعلام التونسي في تصريح خاص بالصياد: "إن التحقيقات أكدت تورط
النظام الليبي، وكشفت عن مؤامرة خطيرة تستهدف إقامة حكومة مؤقتة كان من المقرر أن
تعلن مباشرة بعد نجاح الخطة صباح يوم 28 كانون الثاني يناير الماضي، وتعمل على طلب
مساعدات عاجلة من ليبيا. بعد أن أعدت عدداً من الطائرات الخاصة لنقل الأسلحة
والأفراد من اجل استكمال الشق الثاني من المؤامرة.
وأضاف وزير الإعلام:
أمام هذا الموقف الخطر والذي يهدد استقلال بلادنا فقد طلبنا من فرنسا مساعدات
عاجلة وحصلنا على هذه المساعدات العسكرية في حينها، كما أن المغرب الشقيق أرسل لنا
مساعدات تضامنية تمثلت في طائرتين عموديتين وطائرة نقل.
ومن جهة أخرى أكدت كل من حركة الوحدة الشعبية لتحرير تونس المعارضة وحركة
الديمقراطيين الاشتراكيين التي يرأسها أحمد المستيري وحسيب بن عمار، المعارضة
استنكارهما لهذا العدوان وطالبتا بإحداث تغييرات جذرية في الوضع السياسي والاقتصادي
والاجتماعي الراهن في البلاد حتى لا تتكرر هذه المأساة.
وعلمت الصياد أن سلطات
الأمن التونسية ألقت القبض على 60 شخصاً متورطين في المؤامرة إلا أنهم لم يشاركوا
في هذا العدوان، كما أن البحث يجري للقبض عن 7 أشخاص آخرين من قبل سلطات الأمن
التونسية.
وأكد 6.75 محمد
الصياح بدوره للصياد: إن الحزب الاشتراكي الدستوري التونسي قرر القيام بحملة تضامن
مع سكان قفصة وبتوعية الجماهير التونسية على خطر المؤامرة الموجهة ضد حرية
واستقلال تونس. في حين لا تزال تونس حتى هذه اللحظة تعيش في حالة طوارئ قصوى ويسود
التوتر الشديد على الحدود التونسية الليبية.
التحضير منذ 3 أشهر وروى مدير الأمن العام، "للصياد" ملابسات
الاعتداء فقال: الاعتداء تم وفق خطة جرى الإعداد لها والتدرب على تنفيذها منذ
ثلاثة أشهر في ليبيا، وأوكلت المهمة إلى عناصر هاربة من وجه العدالة التونسية
والمرتزقة الذين عملوا لحساب القذافي في أوغندا وفي جنوب لبنان.
–
عوامل اختيار قفصة:
لقد ساعدت عدة عوامل على اختيار مدينة قفصة مكانا وزمانا، ولم يكن ذلك وليد
الصدفة. فقفصة التي تبعد عن الحدود الجزائرية حوالي 100 كلم وعن الحدود الليبية
قرابة 700 كلم، شكلت مركز استقطاب تاريخي لأغلب الحركات الرافضة للسلطة الحاكمة
سواء كان ذلك أثناء الفترة الاستعمارية أو إبان فترة الحكم البورقيبي. فالمعروف
لدينا أن قفصة بفضل مناجمها وما نشأ بالتوازي مع ذلك من حركة عمالية كانت من
الفضاءات المبجلة للحركة النقابية المعروفة باسم “جامعة عموم العملة التونسيين”
التي أسسها الزعيم النقابي “محمد علي الحامي”. وهي إحدى ملا ذات الحركة اليوسفية
وجيش التحرير الشعبي الذي أسسه “الطاهر لسود” أو ما كان يطلق عليه “بورقيبة” تسمية
“الفلاقة” الذين رفضوا تسليم أسلحتهم بعد توقيع اتفاقية الاستقلال الداخلي سنة
1955، وبرتوكول الاستقلال سنة 1956. كما كانت قفصة مركز دعم وتمويل وتسليح للثورة الجزائرية،
قبل أن تكون المكان الذي اختارته مجموعة من العسكريين والمدنيين اليوسفيين للتخطيط
وانطلاق “حركتهم الانقلابية” لسنة 1962. وهي بالإضافة إلى ذلك موطن “عز الدين الشريف”
القائد السياسي لعملية قفصة وأحد أبرز وجوه المحاولة الانقلابية السالفة الذكر. كل
هذه العوامل جعلت من قفصة موطنا لعدم الاستقرار السياسي فحظيت باختيار منفذي
العملية المسلحة. تدعم ذلك ببعض المعطيات الأخرى لعل أبرزها قرب الحدود
الجزائرية مما سهل توفير الأسلحة والقدرة على التسلل والانسحاب، وانتماء “عز الدين
الشريف” القائد السياسي للعملية لجهة قفصة ساعد على إعطاء دور للعامل القبلي خاصة
وأن عرش “أولاد عبد الكريم” الذي ينتمي إليه “الشريف” عرف عنه تمرده على السلطة
المركزية أثناء حكم البايات بل وافتكاك المجبى من المحلة.
بالتوازي مع كل ذلك
شكلت قفصة مركزا للتأزم الاجتماعي بعد أن انعكست عليها نتائج الاختيارات التنموية
الفاشلة لفترة السبعينات من القرن العشرين. إن ظاهرة البطالة
المتنامية في قفصة ستدفع إلى بروز وعي عمالي ونقابي في الفضاءات المنجمية وإلى
تنامي حركة الهجرة إلى ليبيا التي قدرت في حدود 51 بالمائة. لقد وجد منفذو العملية
في هذه العوامل مجتمعة الأرضية المناسبة للاختيار المكاني والزماني، إن عملية قفصة
في رأي منفذيها هي امتداد لرد فعل شعبي ساخط على الاختيارات الاقتصادية التي عمقت
الفروق الاجتماعية وكرست الاستبداد السياسي، فهي في نهاية الأمر امتداد للانتفاضة
العمالية التي عرفتها البلاد سنة 1978 إذا لم تكن إحياء لذكراها بالطريقة المناسبة.
– من يقف وراء عملية قفصة ؟
– منفذو العملية: بالرغم من انتماء منفذو العملية للجبهة
القومية التقدمية ذات التوجه العروبي – اليوسفي، فإنه لم يتم التركيز على تلك
الخلفية السياسية والاكتفاء بالنظر إلى تلك الأحداث على أنها من فعل “مكتب الاتصال
الخارجي” أحد مؤسسات جهاز الاستخبارات الليبي الذي يحتل مكانة مرموقة لدى القيادة الليبية.
– بعض الخصائص العامة: ينتمي ما يزيد عن 68 % من المشاركين في
عملية قفصة إلى الفئة العمرية ما بين 20 و 30 سنة أما النسبة المتبقية فتتراوح
أعمارهم ما بين 31 و 60 سنة. وتقدر نسبة العزاب بـ 65 % وهي النسبة التي
يحتلها من لهم سوابق من بينهم 14 % ذوي سوابق سياسية وحوالي 86 % ذوي سوابق مدنية.
يشتغل 81 % من منفذي العملية في أشغال يدوية (البناء، الدهن، النجارة، التجارة
والعمل الفلاحي) ولا يشتغل بالعمل الفكري سوى شخص واحد هو “الشريف” الذي كان يعمل
بالتعليم وله تكوين زيتوني. وتقدر نسبة العاطلين بحـوالي 10 %. فيما يتعلق
بالانتماء الجغرافي فغالبية منفذي العملية ينتمون إلى الولايات الداخلية حيث تصل
نسبتهم إلى أكثر من 78 % وتتوزع النسبة المتبقية بين الولايات الساحلية ب حوالي 10
% والعاصمة بحوالي 13 %
تبين لنا النسب المعتمدة أن أغلبية أفراد الكوماندوس المسلح هم من الشباب غير
المرتبطين بعلاقات زوجية، وهو ما ساعد على تجنيدهم في حقل “العمل المسلح” في ظروف
اتسمت بالهجرة إلى ليبيا بحثا عن شغل يوفر دخلا قارا بعد أن تعذر عليهم الحصول على
ذلك في موطنهم الأصلي، هذا الموطن الذي لم ينل حظه بدوره من المشاريع التنموية. إن
النسب المعتمدة تشير بوضوح إلى أن الغالبية العظمى من منفذي العملية هم أصيلي
الولايات الداخلية التي ينتمي إليها أغلب المهاجرين إلى ليبيا.
– قيادة العملية: تمركزت قيادة عملية قفصة المسلحة في أيدي
شخصين اثنين هما “عز الدين الشريف” القائد السياسي و” أحمد المرغني” القائد
العسكري
– “عز الدين الشريف”: أصيل مدينة قفصة، درس لمدة سنتين بالمدرسة
الفرنسية العربية قبل أن يلتحق بفرع جامع الزيتونة بقفصة سنة 1948 أين أحرز على
الشهادة الأهلية، ثم واصل دراسته بالجامع الأعظم حيث أحرز على شهادة التحصيل قبل
أن ينتمي إلى شعبة الآداب و اللغة العربية. في سنة 1957 عمل في سلك التعليم
الابتدائي بعد مشاركته في مناظرة في الغرض. شارك سنة 1962 في المحاولة الانقلابية
للإطاحة بنظام الحكم مما أدى إلى سجنه 10 سنوات مع الأشغال. بعد انقضاء العقوبة
بما في ذلك الفترة التكميلية عاد “الشريف” إلى سالف نشاطه المعارض فالتحق بليبيا
ليجد بعض رفاقه القدامى الذين مهدوا له الطريق عبر ربطه “بمكتب الاتصال العربي”،
فتوسعت دائرة نشاطه لتشمل الجزائر والبوليزاريو أين تمرس على ممارسة تهريب
الأسلحة. بداية من سنة 1978 بدأ “الشريف” الإعداد لعملية قفصة صحبة رفيقه “أحمد
المرغني “عبر تسريب الأسلحة إلى قفصة والإعداد البشري والمادي للعملية التي تحدد
تاريخها في يوم 27 جانفي1980.
– “أحمد المرغني”: من مواليد جرجيس بالجنوب التونسي سنة 1941،
زاول تعليما ابتدائيا متقلبا انتهى به إلى الانقطاع عن الدراسة والدخول في الحياة العامة
بصفة مبكرة. بدأ أولى تجاربه في الهجرة سنة 1962 عندما انتقل إلى الجزائر للعمل
قبل أن يتحول إلى ليبيا سنة 1971 لنفس الغرض. وقد تغير مسار حياته بعد أن احتك
ببعض وجوه المعارضة وبسبب انتمائه “للجبهة القومية للقوى التقدمية التونسية “. كلف
“المرغني” في أول اختبار له بتفجير مقر الحزب الحاكم في تونس والمركز الثقافي
الأمريكي وذلك في شهر جوان من سنة 1972. وقد ألقي عليه القبض قبل تنفيذ العملية
وحكم عليه بخمس سنوات سجنا، قضى منها أربع سنوات فقط بسبب العفو الرآسي بمناسبة
ذكرى عيد الاستقلال سنة 1976. عاد بعد ذلك إلى ليبيا ليمارس نشاطه مجددا في صفوف
الجبهة القومية التقدمية. ثم التحق بعد ذلك بجبهة البوليزاريو لقضاء خمسة أشهر في
التدرب على الأسلحة الخفيفة، ثم انتقل إلى لبنان لتجنيد بعض التونسيين في صفوف
الجبهة القومية التقدمية.
– الدور الليبي:
لقد نفت السلطات الليبية أي علاقة لها بعملية قفصة عند انطلاقتها حسب تصريح
وزير خارجيتها الذي جاء فيه “الجماهيرية الليبية غير متورطة بصفة مباشرة أو غير
مباشرة بالأحداث الجارية بمدينة قفصة “. إلا أن ذلك مجرد موقف سياسي فرضته “العلاقات الدولية والقانون الدولي”
الذي يمنع التدخل في الشؤون الداخلية لدولة ثانية وتغيير نظام الحكم فيها بالقوة.
إن جذور التوتر بين الجماهيرية والحكومة التونسية تعود إلى سنة 1974 تاريخ إلغاء
“بورقيبة” “المعاهدة الوحدوية” بين تونس وليبيا الموقعة في 12 جانفي 1974. فقد
تبنت الجماهيرية الليبية خلال تلك الفترة خطا وحدويا يقوم على خيار تحقيق فكرة
الوحدة العربية بالقوة مما وضعها في موقع العداء لكثير من الأنظمة العربية التي
لابد من الإطاحة بها بواسطة “لجان شعبية ثورية” تتولى مهمة إنجاز “الثورة” وتحقيق
الوحدة العربية.
لا شك أن عملية قفصة لسنة 1980 كانت إحدى مخططات الجماهيرية الليبية التي لا
تحتاج إلى إثبات دورها في تنظيمها عن طريق ما يعرف بـ ”المكتب العربي للاتصال”
الذي وفر الدعم المادي والمعنوي واللوجستي والتغطية الإعلامية لعملية قفصة، التي
لم تكن سوى نتيجة لالتقاء مصلحة النظام الليبي ومنفذي العملية الذين ينتمون إلى
“الجبهة القومية التقدمية” ذات الانتماء العروبي. وهو التنظيم الذي له حسابات
قديمة مع النظام البورقيبي في تونس ترجع إلى فترة تصفية الحركة اليوسفية والقضاء
على المحاولة الانقلابية لسنة 1962. وهذه المصلحة ربما تكون محكومة بوحدة الخطاب
الأيديولوجي القومي العربي، ذلك أن الجماهيرية الليبية كثيرا ما ادعت أنها وريثة
النظام الناصري في مصر الذي يجمع على الانتماء إليه غالبية فصائل الحركة القومية
العربية. فهل تحتاج ليبيا إلى تبرير موقفها في تبني هذه العملية وتوفير الدعم
الكامل لمنفذيها؟
– الدور الجزائري:
أصدرت السلطات الجزائرية شأنها في ذلك شأن السلطات الليبية، بيانا أكدت فيه
أن حرس مراقبة الحدود لم يسجل أي تسرب لأشخاص أو لحركة مشبوهة. إلا أن “الهادي
نويرة” الوزير الأول التونسي شكك في هذا الموقف معتبرا أن الحكومة الجزائرية ضالعة
في أحداث قفصة. فقد استند في ذلك إلى اعترافات “عز الدين الشريف” الذي أقر بوجود
علاقة تربطه بالسلطات الجزائرية وبجهاز مخابراتها، وهي العلاقة التي نسجت أثناء
اشتغال “الشريف” لصالح جبهة البوليزاريو الصحراوية. يرجع هذا الموقف الجزائري
المؤيد لعملية قفصة المسلحة إلى وجود جناحين داخل حزب جبهة التحرير الحاكم أحدهما
ذو خلفية عروبية – إسلامية تربطه علاقات تحالف مع ليبيا.
الطرف الوحيد الذي أيد عملية قفصة المسلحة واعتبرها عملا مشروعا في مواجهة
نظام الحكم في تونس هو التيار القومي العربي الناصري مجسدا في “الطلبة القوميون الوحدويون”
الذين لم يكتفوا بإبراز مواقفهم المؤيدة لهذه العملية في ملصقاتهم الحائطية التي
كانوا يصدرونها بالمنابر الطلابية وإنما عملوا على تنظيم بعض المظاهرات المؤيدة
لما أطلقوا عليه تسمية “ثورة قفصة “.
كان ذلك بعض الفقرات المأخوذة من مقالات مختلفة تم
نشرها حول احداث قفصة 1980 قمت بنسخها حتى نتمكن من تحليلها وربطها بوضعنا الحاضر.
رأينا في بعض المقالات وصف
للمستوى المعيشي لأبناء الجنوب الذي كان من الاسباب الرئيسة في هذه الاحداث وعندما
نقارنه بالوضع الحالي في الجنوب نرى انه لم يتحسن شيء لا بل ازداد الوضع سوءا
وتجلت الفوارق الاجتماعية بين الشمال والجنوب وتأكد الجميع من ان تداول السلطة منذ
الاستقلال لم يكن إلا بين سكان الشمال وحتى بعد الثورة كان الاشمئزاز والرفض واضح
عندما تولت حركة النهضة الحكم وامسك البعض القليل من أبناء الجنوب مناصب مهمة في
الحكومة فقلبوا لهم الامر ولم يهدأ لهم بال حتى اقتلعوهم من السلطة حيث نستنتج هنا
احتكار سكان الشمال للسلطة مما يعزز نظرة
التمييز التي يشعر بها سكان الجنوب.
1-
العوامل التي شجعت عملية قفصة 1980 ومقارنتها بالظرف الحالي
أ-
الدعم الخارجي:
كان اهم دعم حينها يتمثل في النظام الليبي حيث قام بتسليح والتجهيز
ووضع خطة العمل، أما بالنسبة للدعم الجزائري فالمعلومات غير دقيقة فقد قيل انه
متواطئ بضغط من ليبيا وقيل أيضا انه محايد وان كل ما في الامر هو ان النظام الليبي
أراد توريطه. مقارنتا بوضعنا الحالي فلا وجود أي طموحات لدول الجوار في دعم ثورة
مماثلة وخاصة بعد القضاء على نظام القذافي في ليبيا وعدم اهتمام الشعوب العربية
بالوحدة، لكن هناك بعض الأصوات القليلة التي حاولت إحياء روح هذه الاحداث لكنها
مجرد ردة فعل لمواطنين بسطاء في لحظات غضب ليس لهم أي تنظيم سياسي أو بالأحرى ردة
فعل بديهية لشعورهم بالاضطهاد والتمييز والتهميش فمثلا فيما قبل الثورة نادى بعض
مشجعي فريق كرة القدم لمدينة قفصة في لحظة غضب بسبب عدم توفير لهم وسائل النقل
العمومي للعودة من مدينة تونس إثر مباراة كرة قدم بــ <<يا زين العابدين اهتم بنا وإلا فالقذافي أولى بنا>>
مما عجل بتوفير وسائل نقل عمومي لهم، حيث تجلى مدى خوف النظام التونسي والحكومة
بمثل هذه المطالب. اما بالنسبة لمطلب وحدة المغرب العربي فلا حياة لمن تنادي.
ب-
المعارضة في الداخل
نرى بعد فشل أحداث قفصة مدى
استنكار الأحزاب لهذه العملية ووصف من نفذوها بالمرتزقة وتشدقوا بوحدة الوطن
والوطنية حتى من الجبهة القومية التقدمية ذات التوجه العروبي اليوسفي التي ينتمي
لها منفذو العملية إلا الطرف الوحيد الذي أيد عملية قفصة وهو التيار القومي العربي
الناصري حيث أطلقوا على العملية اسم <<ثورة قفصة>>.
حاليا ومن هذه الناحية أي المعارضة في الداخل في أيامنا هذه فهي لا تفرق كثيرا عن
<<الدعم الخارجي>> فلا يوجد حزب يتبنى مشاكل ومأساة أبناء الجنوب فهذه
الأحزاب تسعى إلى جمع أصوات الناخبين للوصول إلى السلطة في حين ان عدد سكان الجنوب
أقل بكثير من سكان الشمال حيث يتجاوز العدد مليوني نسمة بقليل ويتجلى ذلك في
الانتخابات الأخيرة حيث تحصل المنصف المرزوقي على أعلى نسبة من الأصوات في كافة
مدن الجنوب إلا انه لم ليستطيع الفوز بالرئاسة في تونس، فبنتيجة هذه الانتخابات يظهر
وبكل نقاء اختلاف التوجهات لكل من سكان الجنوب و سكان الشمال حيث اصطفت كل مدن
الجنوب وراء مرشح للرئاسة في حين اصطفت
مدن الشمال وراء رئيس آخر. لهذا لا يستقطب أبناء الجنوب اهتمام السياسيين
والأحزاب السياسية.
ت-
الوضع الاجتماعي والاقتصادي
حسب ما جاء في مقالات بعض
المؤرخين لهذه الاحداث حيث وصفوا الوضع وقتها بالتأزم الاجتماعي بسبب اختيارات
تنموية فاشلة في فترة السبعينيات من القرن العشرين. حيث ظهرت البطالة المتنامية في
قفصة فدفعت الى بروز وعي عمالي وثقافي في الفضاءات المنجمية والى تنامي حركة
الهجرة. حيث مهدت هذه الظروف الى عملية قفصة. مُقارنتًا بوضعنا الحالي فكأن الوضع
لم يتغير قيد انملة فلم يتغير شيء إلى يومنا هذا. مما يقوي فرضية استنساخ عملية
قفصة 1980 مرة أخرى.
2-
رأيي الشخصي
بعد ثورة 2010 التي لم ولن
أؤمن بها فهي بالنسبة لي مجرد مسرحية كوميديا حزينة. احترت لما حصل ولم أستطيع ان
اتقبل ذلك لأنه معارض لكل قواعد المنطق وخاصة ان الثورة انطلقت من مدينتي سيدي
بوزيد و القصرين اللذان لم يكن لهم تاريخ في النضال و التجرؤ على النظام الحاكم او
مقاومة المستعمر وما زاد الطين بلة هو قيام مواطنو المدينتين بانتخاب ازلام النظام
السابق مما يعزز فرضية تزييف الثورة ، فكل ما حصل أظنه انقلاب عسكري متخفي وراء
مسرحية ثورة شعبية أو مخطط من دول غربية لتغيير نظام الحكم بسبب الرائحة النتنة التي
فاحت لزين العابدين بن علي في مجال انتهاكه لمبادئ حقوق الانسان واستبداله بعميل
جديد نضيف اليدين من هذه الناحية او من أجل التشجيع على إثارة الفوضى في بقية
الدول العربية وهذا ما حصل بالتحديد.
لا يهم السبب لكن المهم ان هذه
هي ثورة مزيفة تماما مثل نضال الحبيب بورقيبة المزيف الذي شرع له السلطة. فإذا نظرت إلى ما حصل قبل الثورة في الرديف وهي معتمدية تابعة لمدينة قفصة سنة 2008 وما سبق
من مظاهرات في قفصة حيث لم يكن لها أي تأثير على النظام، لعرفت ان الذي حصل سنة 2010 مجرد تمثيل، انا شخصيا منذ سن الرابع عشر من عمري في سنة 1991 لم اتخلف على
معظم المظاهرات في قفصة وكان أولها من اجل وحدة المغرب العربي الى سنة 2004 وكان
آخرها مظاهرة طلابية قامت بقطع الطريق الرئيسية التي تمثل مدخل لمدينة قفصة وفي
اليوم الذي قبله كان محاولة اقتحام مركز الولاية بقفصة حيث تم صدها بكل شراسة من
قوات الامن فقد كنت قاب قوسين من عصي الامن لولا فضل الله و عنايته لكنت كبعض
ضحايا الامن من الطلبة المشاركين حيث كان مركز الولاية في تلك الأيام مكان مقدس
بالنسبة للحكومة ليس مثل أيامنا هذه يرتع فيها من هب و دب. بهذا أستطيع ملاحظة
الفرق بين ردة الفعل للحكومة حيث حصل أكثر مما حصل في 2010 ولكن لم نرى بن على
يحمل حقيبته ويغادر تونس، لم أكن في يوم من الأيام أنتمي الى أي حزب ولم يكن لي
نشاط سياسي لكن كنت أرى الأمور بوضوح. على
كل حال هذا ليس موضوعنا فموضوعنا هو هل احداث قفصة 1980 من الممكن ان تحدث مرة
أخرى. أرى في الوقت الحالي ان الكثير من الأمور قد تغيرت فعقلية المواطنين قد
تغيرت حيث كانت مطالب الشعوب العربية سابقا تتمثل في الوحدة العربية والتضامن مع
الشعب الفلسطيني في حين تغيرت النظرة الان فازدادت المبادئ القومية للشعوب العربية
وحل محل المطالبة بوحدة الدول العربية المطالبة بالديمقراطية والحرية وحقوق
الانسان حتى انه لم يستحي البعض فطالب بأحقية اللواط وافتخر البعض الآخر بزيارته
لإسرائيل، كل هذا حصل في تونس بفضل الثورة المجيدة. هذه العوامل في الظاهر لا
تساعد على عملية مماثلة لعملية قفصة 1980 لكن إذا رجعنا الى تفاصيل هذه العملية
فنجد ان في يوم العملية لم يستجب أحد من سكان مدينة قفصة ولم يتضامنوا مع الثوار
في حين ان تاريخ مدينة قفصة يدل على انها مركز استقطاب تاريخي لأغلب الحركات
الرافضة للسلطة الحاكمة سواء كان ذلك اثناء فترة الاستعمار أو ابان فترة الحكم
البورقيبي كما قال أحد المؤرخين.
هذا التخاذل لسكان مدينة قفصة
لا نفسره إلا بمدى نجاح سياسة الترييف التي انتهجها الحبيب بورقيبة لمدينة قفصة حيث
توجه معظم سكان الريف إلى مدينة قفصة واستقروا بها بفضل التسهيلات التي وفرها لهم
بورقيبة. معظم هؤلاء الاعراب لا يهتمون الا بلقمة العيش والكسب وليس لهم مبادئ
ويتسمون بالنفاق حيث مكنهم بورقيبة من مراكز مهمة في مدينة قفصة مما أدى إلى شل هذه
الثورة كما قال الله في كتابه الكريم {الاعراب أشد كفرا ونفاقا}.
الحل:
في الأيام الأولى لما تسمى
بثورة 2010 ضاق صدري لأيام عديدة وأنا أرى العامة يهيجون ويموجون ويكسرون حيث دبت
الفوضى في كل مكان ولا تسمع الا الصياح وعامة القوم ينادون بمبادئ هم لا يفهمون
منها شيء فقط يرددون كالببغاء، ثم بعد ذلك ورغم ان كل الناس لهم الحق في التكلم
والمطالبة بحرية عكس ما كانوا عليه في السابق إلا ان الأمور ترجع شيءً فشيء الى
سابق عهدها والسلطة بدأت تعود من جديد إلى سكان الشمال لا بل لم تبارحهم فمن وصل الى
السلطة من أبناء الجنوب كانوا كالطراطير ليس لهم حول ولا قوة. وتأكد وقتها انه لا
سبيل الى مشاركة هؤلاء في السلطة ولن نحصل على حقوقنا في الجنوب <<فلا ينفع
العقار فيما أفسده الدهر>> فالحل لن يكون الا ببتر العضو الفاسد فلم يبقى أي
مجال مع هؤلاء الاوغاد الا المطالبة بالانفصال واستقلال الجنوب والطريقة الأمثل
لذلك هو المطالبة باستفتاء شعبي للانفصال، فبهداية من الله عز وجل قررت السعي في
هذا الطريق منذ سنة 2011، لكي نعمل على هذا فيجب ان نعرف ما هي الطريقة التي سلكها
النظام ضد عملية قفصة 1980 ونحاول التنبؤ بردة فعل الحكومة في الوقت الحالي. حيث
كانت أول ردة فعل للنظام وقتها هي الاستنجاد بفرنسا فهذا طبيعي فبورقيبة عميل فرنسا
وخادمها المطيع. الحبيب بورقيبة ريفي وبن علي ريفي أيضا لا فرق بينهما الا بالمستوى
التعليمي لصالح بورقيبة وفرنسا تعتمد على هذا النوع من التونسيين بسبب تميزهم
بالنفاق كما ذكرهم الله في كتابه الكريم {الاعراب اشد
كفرا ونفاقا} ونرى أيضا ذلك في بعض الاعمال الفنية التي قام بها فنانون
تونسيين عاشوا فترة الاستعمار الفرنسي وخبروا سياسة المستعمر فنضرب مثال مسرحية
المار يشال عمار الذي كان فيها بطل المسرحية يمثل الحاكم البدوي الجاهل العميل
لفرنسا الذي كل همه هو التشبه بالطبقة الارستقراطية المثقفة في تونس. هذه الشخصية
تتطابق مع شخصية المنصف المرزوقي ايضا وتعليمه الرعواني حيث هناك تشابه بينه وبين
الحبيب بورقيبة وخاصة في ولائه لفرنسا. ومن هذا نستطيع وبكل بساطة التنبؤ بأن
الحكومة ستستنجد بفرنسا وأيضا من المؤكد والله اعلم سنواجه خذلان الاعراب لهذا
المطلب حيث انهم أصبحوا اغلبية في مدينة قفصة هذا من جهة ومن جهة أخرى ستسعى
الحكومة الى استعمال القوة والرد على هذا المطلب السلمي للاستفتاء الشعبي بالرصاص
كما هي العادة لكل المطالبات التي حصلت في الجنوب. فلم يحصل في تاريخ تونس ان
استجابت الحكومة لأي مطلب من مطالب أبناء الجنوب. المواجهة هنا اظنها شر لابد منه
ومع كثرة الاعراب وتقلدهم معظم المناصب المهمة في مدينة قفصة وبقية مدن الجنوب
وخاصة في الامن فسيكون نسبة نجاح عملية كعملية قفصة 1980 في وقتنا هذا من الصعب
تحققها. لكن قيمة هذا العمل وما سيؤول اليه أبناء الجنوب من عيش رغيد ورخاء دولة
الجنوب وازدهارها وانفتاح أبواب التطور والتقدم لأبناء هذه الدولة الموعودة ونبل
هذه القضية وهدفها السامي سيجعل من المغامرة مغرية، فقد تعلمنا من التاريخ ان
الحصول على الأشياء الثمينة عادة ما يكون صعب وبالتضحيات، فالأرض لله يورثها من
يشاء من عباده الصالحين.
شكرا ... معلومات قيمة ... عمر الانفصال حل .. الانفصال يزيد من الضعف ويسهل للاعداء القضاء على الدولة
ردحذف